البرنامج العربي للوعي بالابتكار
GINI North Africa Chapter Logo-03

التفكير التصميمي في البيئة التعليمية

بقلم: أ. حورية بلحدّاد

مفتشة وخبيرة ومدربة دولية

تمهيد

السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا لو تعامل المعلّم مع وظيفته بمنظور المصمّم؟

تواجه الفصول الدراسية والمؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء العالم تحديات كبيرة في عملية التصميم، بدءَ من تصميم المناهج التربويّة ووصولا إلى تصميم المخطّطات التعليمية. التحديات التي يواجهها التربويون وعلى رأسهم المعلمون حقيقية ومعقدة ومتنوعة، وبالتالي، فإنها تتطلب وجهات نظر مختلفة، وأدوات جديدة، وأساليب مبتكرة. و التفكير التصميمي هو أحد الأدوات والأساليب التي يمكن توظيفها في التعليم. وفي حال تم نقل التفكير التصميمي إلى المدارس بصورة فاعلة، فسيقوم بإثراء تجربة المعلمين والمتعلمين والمؤسسة التعليمية بأكملها، وسوف يعيد تأطير عملية التدريس والتعلم بلباس جديد.
تعريف التفكير التصميميّ: Design Thinking

يعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي:

بأنه ((منهجية تقوم على إيجاد الحلول والابتكار المركز أساسا على الإنسان. وهي عملية تقوم على خمس خطوات: الملاحظة، التصوّر، النمذجة، الاختبار، التنفيذ. يضع التفكر التصميمي الأشخاص الذين نصمم لهم في مركز العملية ويدعوهم إلى إيجاد حلول ملموسة)).

عملية التفكير التصميمي في البيئة التعليمية

بما أن بيئة التعليم بجميع عناصرها تمّر الآن بتحول من نوع خاص، حيث تبرز أهمية مقاربة التفكير عبر التصميم بما توفره من عناصر المرونة و البراغماتية لعملية الإستجابة للاحتياجات والأهداف المحلية وحتى الفردية. فيمكن للتفكري عبر التصميم أن يشجع ثقافة التعاون بين المعلّمين للاستفادة منها لتحسين النتائج عبر جميع موضوعات وبيئات عملية التعلّم. ومع توسع الطّلاب في نطاق خرباتهم بشكل كبير، نجدهم يتعاطون مع ديناميات جديدة وحقائق ناشئة تتطلب اكتسابهم مهارات جديدة تقودهم لتحقيق النجاح. ومن ضمن هذه المهارات القدرة على التأمل في عملية التعلّم الخاصة بهم، وكذلك استكشاف طرق فريدة لإحراز التقدم وذلك بمساعدة ودعم أقرانهم ومعلميهم وأولياء أمورهم. ونحن نعلم أنه عندما يكون الطالب أكثر انخراطا في تصميم بيئاتهم التعليميّة واكتشاف أولوياتهم الخاصة، فإنهم يكونون أكثر إحساسا بالمسؤولية وأكثرتحفُّزا لتحقيق النجاح في نهاية المطاف.

وبحسب مدرسة ستانفورد للتصميم تكون المراحل الخمس للتفكير التصميمي هي كما يلي:
1- التعاطف مع المستخدمين.
2- تعريف احتياجات المستخدمين لديك ومشاكلهم .
3- التفكير عبر تحدي الافتراضات وخلق أفكار لحلول مبتكرة.
4- بناء النموذج الأولي لبدء إنشاء الحلول.
5- اختبار الحلول.

يجب أن تتيح عمليات الابتكار تطوير الخصائص الشخصية، والتوجه المستقبلي، ومهارات التفكير الإبداعي، والمهارات الاجتماعية، ومعرفة المحتوى، والمهارات الشخصية (على سبيل المثال، الطلاقة الرقمية، وتحليلات البيانات الضخمة، والتفكير النقدي، وحل المشكلات، والمرونة، والتواصل، والعمل الجماعي) والمهارات الصعبة (على سبيل المثال، التصنيع الخالي من الهدر، وتكنولوجيا التصنيع، والآلات، والنماذج الأولية، وتصميم المنتجات وأنظمة إدارة الجودة. علاوة على ذلك، يجب أن تسمح بيئة التعلم الموجهة نحو الهدف أيضًا بالتفاعلات الاجتماعية.

والتحول الرقمي المعزز اللازمين للتصميم الفعال للحلول المعقدة متعددة التخصصات الضرورية للتعلم المبتكر. وبهذا المعنى، فإن مجال تعليم المعلمين ليس استثناءً. هناك حاجة لتطوير إمكانات المعلمين المحتملين للعمل بشكل خلاّق مع أفكار لتحسين التعليم المستمر.

كما يمكن تعزيز قدرتهم في التفكير التصميمي باستخدام نهج بناء المعرفة، والذي يعتمد نهجًا تربويًا قائمًا على المبادئ بدلاً من النهج القائم على الإجراءات. يشارك المتعلمون القائمون على المبادئ بطريقة أكثر تصميمًا في المعرفة والعمل وفي مسار تعليمي إبداعي.

في هذا السياق، يمكن اعتبار التفكير التصميمي كنهج مناسب لاستخدامه عبر عمليات التدريس / التعلم لتطوير مهارات القرن الحادي والعشرين. فهي بحكم طبيعتها تتضمن التعاون لحل المشاكل الصعبة. يستخدم هذا التعاون جمع البيانات ومعالجة المعلومات من بيئة العالم الحقيقي، وتجارب الأشخاص وردود الفعل واستخدام الإبداع والتفكير النقدي والتفكير في النظام والتواصل من أجل التعلم التحويلي الفعال.

تسلط ستيفاني بانكي المعروفة بخبرتها في التصميم التعليمي وتكنولوجيا التعليم وتطبيق مبادئ التفكير التصميمي في الأوساط التعليمية الضوء على التفكير التصميمي في التعليم، وإمكانات هذا النهج لإعادة تصور ممارسات التدريس والتعلم، وتعزيز وكالة الطلاب، وتنمية المهارات اللازمة للنجاح في عالم متزايد التعقيد وسريع التغير.

وقد وضحت بانكي في مقال لها بعنوان (التفكير التصميميّ في التعليم :وجهات النظر والفرص والتحديّات)) الإمكانات المتعددة الأبعاد لـ التفكير التصميمي في التعليم، والتي تشتمل على تشجيع التجارب الضمنية، والحد من التحيز المعرفي، وخلق التدفق ، وزيادة التعاطف، وتسهيل التغيير السلوكي، وتعزيز التعاون بين التخصصات المتعددة ، والحث على الفشل الإنتاجي / زيادة المرونة ، وإنتاج حلول مدهشة وممتعة ، وتعزيز الثقة الإبداعية. كما تقدم بانكي رؤى حول تنفيذ التفكير التصميمي على مستويات مختلفة من التعليم، سواء في التعليم الرسمي أو غير الرسمي.

في الإعدادات الرسمية، يتمثل الهدف في تعزيز الابتكار وتحسين التعلم في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات وتعزيزالتخصّصات المتعددة وصقل وجهات نظر المعلمين. في البيئات غير الرسمية، يتجاوز التعلم السياقات التقليدية من خلال تضمين البيئة الاجتماعية والطبيعية لتحسين التعاون وتعلم الخدمة. وهذا بدوره سيخلق رؤية ويساعد في تنفيذ الاحتمالات الجديدة التي اكتشفها المتعلمون. أما في التعليم العالي، فهي ترى أن التفكير التصميمي يتجاوز تخصصات الاستوديو أو المختبر ولكنه لا يزال مطبقًا في الغالب في التسويق أو الأعمال التجارية أو تعليم ريادة الأعمال. بشكل عام، قد يستفيد ليس الطلاب فقط ولكن المدرسون أيضًا من بناء القدرات عند استخدام التفكير التصميمي من خلال موضوعات المناهج الدراسية.

يتضمن استخدام التفكير التصميمي تطوير نهج تشاركي تجاه قضايا العالم، وموقف استكشافي مفتوح، وقدرة إبداعية وعقلية أخلاقية.)) إن حقيقة أن المعلم أصبح مصممًا لتجربة تعليمية خاصة بفصله الدراسي، يثري من التجربة التعليمية، حيث يمكن للمعلم القيام بإجراء التغيير الأكثر قيمة -التغيير الأصيل الناجم عن احتياجات الطلاب بدلاً من القيام بتغييرات تملى عليه من جهات أخرى.

وفي النهاية من المهم أن ندرك أن التفكير التصميمي هو عمل إبداعي، وأن عملية تصميم وخلق بيئة تعليمية فاعلة، هو فن هادف ومقصود. وإذا كنا نريد تغيير التعليم والتعلّم لجعله أكثر ملاءمة وأكثر فاعلية وأكثر متعة بالنسبة لجميع المعنيين، يجب أن يكون المعلمون في قلب أي عملية تصميم للمؤسسة الأكاديمية، أو للأنظمة التعليمية.