القلب النابض للمؤسسات: الابتكار والتسويق

بقلم: م. مانع سعيد النجم – من المملكة العربية السعودية

“الابتكار والتسويق فقط هما اللذان يخلقان القيمة. كل شيء آخر هو تكلفة.” – بيتر دراكر

مقدمة

في قلب كل مؤسسة نابضة بالحياة، يوجد شريانان أساسيان يغذيان النمو والبقاء: الابتكار والتسويق.

هذه الرؤية الجريئة التي طرحها المفكر الإداري بيتر دراكر تتحدى النظرة التقليدية التي تساوي بين كل أقسام المؤسسة. لكنها في الحقيقة تُعيد ترتيب الأولويات: من خدمة الإجراءات إلى صناعة القيمة.

الابتكار: دم المؤسسة المتجدد

الابتكار هو المحرك الداخلي الذي يُنتج شيئًا جديدًا أو يُحسّن شيئًا قائمًا. لا يقتصر على اختراع منتج، بل يشمل تحسين نموذج العمل، وتطوير الخدمات، وخلق تجربة فريدة للعميل.

مثال حي:

شركة أبل (Apple) لم تخترع الهاتف الذكي، لكنها ابتكرت تجربة غير مسبوقة جعلت المستخدم يرى الهاتف كأداة شخصية ومتكاملة.

هنا، الابتكار لم يكن تقنية فقط، بل فلسفة منتج.

التسويق: النبض الذي يصل القيمة إلى السوق

التسويق ليس مجرد إعلانات أو عروض ترويجية. إنه العملية التي تنقل الابتكار إلى السوق، وتحوّله إلى طلب وولاء وربحية.

مثال حي:

شركة نايكي (Nike) تبيع أحذية رياضية، لكنها تسوّق “أسلوب حياة”. عبر حملات ملهمة مثل Just Do It، أصبح منتجها رمزًا للثقة والطموح.

وما دور باقي الأقسام؟

الأقسام الأخرى كالمحاسبة، الموارد البشرية، تقنية المعلومات، الشؤون القانونية… كلها ضرورية، لكنها لا تخلق القيمة مباشرة. هي بمثابة الأوعية الدموية التي تدعم تدفق الدم، لكنها ليست القلب نفسه.

  • قسم المحاسبة لا يصنع منتجًا.
  • الموارد البشرية لا تولد إيرادات.
  • تقنية المعلومات لا تُقنع العميل بالشراء.

كل هذه الأقسام تُصنف وفقًا لدراكر بأنها مراكز تكلفة: تدعم التشغيل، لكنها لا تُنتج قيمة قابلة للبيع.

كيف نفهم “القيمة” هنا؟

القيمة هي ما يدفع العميل مقابله مالًا. لذا فإن كل نشاط لا يؤدي إلى زيادة هذه القيمة أو تعزيزها يُعد داعمًا فقط، لا مولدًا لها.

قاعدة تفكير استراتيجية:

“إذا حذفت هذا النشاط، هل ستتأثر الإيرادات مباشرة؟”

إن كانت الإجابة لا → فهو دعم، لا ابتكار أو تسويق.

الإدارة الحديثة ومركزية الابتكار والتسويق

للمؤسسات الناشئة:

  • لا تُهدر رأس المال في تنظيم داخلي مبكر.
  • اختبر منتجك في السوق، وركّز على تقديم حل مبتكر وتسويقه بذكاء.

للمؤسسات الكبيرة:

  • راجع أداء كل إدارة: هل تخدم الابتكار؟ هل تمكّن التسويق؟
  • اجعل “خلق القيمة” معيار التقييم وليس “الالتزام بالإجراءات فقط”.

المؤسسات العربية: حاجة لإعادة ضبط البوصلة

الكثير من المؤسسات في منطقتنا تستثمر في البنية والشكليات، لكنها تُهمل قلب المؤسسة النابض.

النتيجة؟ منتجات لا يعرفها السوق، وخدمات مكررة، وميزانيات تُستنزف دون مردود.

المطلوب:

عودة إلى جوهر العمل — ابتكر. ثم سوّق. ثم دع البقية تخدم هذه الرسالة.

خاتمة

الابتكار والتسويق ليسا مجرد وظيفتين في الهيكل التنظيمي. إنهما الروح التي تُبقي المؤسسة حية ومربحة ومؤثرة. أما باقي الوظائف، فهي العمود الفقري الذي يساندهما.

إذا أردت لمؤسستك أن تنبض بالقيمة وتعيش بفعالية في السوق، فاحرص على تقوية قلبها:

ابتكر شيئًا يستحق… ثم اجعل الناس يعرفونه ويؤمنون به.